على مشارف قريةِ حطّين الأثريّة، وبين هضابٍ خضراءَ متناسقة تطلُّ بصمتٍ مقدّسٍ من شقّ جبل أربل على بحيرةِ طبريّا، يتخطّفُ الأنظارَ مقامُ خطيب الأنبياءِ ومعلِّمِهم، سيّدنا النّبيّ شعيب عليه السّلام.
في شمال غربِ الجزيرةِ العربيّةِ آنذاك، وبين أهالي قبيلتِه المعروفة باسم "مَديَن" أو أصحاب الأيكة، شبّ شعيبُ بن ضغثون بن عيفا بن يافث بن مديَنَ بن إبراهيم هاديًا أبناءَ قومِهِ إلى عبادةِ الله الواحدِ الأحد، محذّرًا إيّاهُم من ممارساتِهم الذّميمةِ في بخسِ حقوقِ النّاس وانتهاجِ الغشِّ المحرّمِ في الكيلِ والميزان والبيعِ والشّراء.
وقدْ ذكرَ القرآنُ الكريم قصّةَ شعيبٍ عليه السّلام في أحَدَ عشرَ موضعًا بينَ وعظٍ وتأديبٍ ثمّ تحذير، قابله أبناءُ مَدينَ بتكذيب ما أتى به شعيب من رسالةِ الإيمان والعدالة الاجتماعيّة، فاستحقّوا بذلك عذابَ الله وغضَبَهُ وكانوا من الخاسرين.
لم تقتصرْ قيادةُ شعيبٍ عليه السّلام على هديِ آل مَدينَ وأتباعهم فحسب، إذ تروي التّوراة أيضًا قصّتهُ المشهورةَ مع نبيّ الله موسى عليه السّلام، الّذي تعلّم على يد "يترو" أو "رعوئيل" وفقًا للتّسمية العبريّة، قواعدَ الإدارة السّليمةِ والحُكمِ العادلِ بين بني إسرائيل، ليُخاطبه موسى عليه السّلامُ بخطابهِ التّوراتيّ المأثور: " إبقَ معنا فقد كنتَ لنا كالعَيْنَين".
بين أكثر من عشرينَ موقعًا يحملُ اسمّ وذكرَ سيّدنا شعيبٍ في الشّرق الأوسط، يُعتبر المقام الشّريف في حطيّن الموقعَ الأقدسَ والأهمّ، مشتملًا على الضّريحِ الأصليِّ الشّريف الّذي يرقدُ فيه شعيبٌ عليه السّلام. وقد أُرّخَ المقامُ في كُتب الرّحالةِ والمؤرّخينَ السّالفين ضمن أكثر من اثنينِ وعشرينَ كتابًا وإصدارًا، أقدمها كتابُ "سفر نامه" لكاتبه الرّحّالة الفارسيّ ناصري خسرو عام 1047، ثمّ كتابُ "الإشارات إلى معرفة الزّيارات" لمؤلّفهِ الرّحالةِ العراقيّ أبي الحسن الهرويّ عامَ 1173.
وتُعتبر معالمُ المقام الأهمّ بعد الضّريح المبارك، عينُ الماء الطّبيعيّة الّتي تجري طيلةَ أيّامِ السّنةِ لترويَ زوّار المقام، وآثارُ العقدِ والبناء الحجريّ القديم الّذي يعودُ إلى فترةِ القائد صلاحِ الدّين الأيوبيّ، الّذي تكفّل بتشييدهِ بعد نصرهِ الباهر على القوّات الصّليبيّةِ في معركةِ حطّين.
منذ تلك الفترة، شهدَ المقامُ ترميماتٍ وتوسيعاتٍ كبيرةً وكثيرة، كان أهمّها ما بادر إليه رئيسُ الطّائفة آنذاك المرحوم الشّيخ مهنا طريف، متوجًّا إنهاءَها في الخامس والعشرين من نيسان عام 1884 بزيارةٍ رسميّةٍ أولى جمعت شيوخَ الطّائفة الدّرزيّةِ من كلّ مكان، مسطّرةً بتاريخها المحفوظِ نهجًا مباركًا ثابتًا حتّى يومنا هذا.