على مقربةٍ من جبل الشّيخ الشّامخ، وبين بساتينَ غنّاء فيها من التّفاحِ والكرزِ ما لذّ وطاب، يطلّ الزّائرُ إلى مجدل شمس الجولانيّة على مقامٍ مُتقن الجمالِ والصّورة. مقامُ سيّدنا اليعفوريّ عليه السّلام.
تمامًا كحالِ الأعمدة الحجريّةِ الصّامدة الّتي تحملُ ثِقَل المقام، عاش سيّدنا اليعفوريّ عليه السّلامُ حياةً نذرها لحملِ أعباءِ وهموم النّاس، معروفًا بينهم كما وصفه الذّهبيّ في كتابه المشهور سير أعلام النّبلاء: "رأسًا في الزُّهد والصّدقِ والعلمِ والعملِ، قوّالًا بالحقّ، لا تأخذهُ في الله لومةَ لائم".
كيف لا وهو الصّحابيُّ الجليل الشّهير أبو ذرّ الغَفاريّ جُندب بن جنادة، الّذي كان أوّل من حيّا الرّسولَ بتحيّةِ الإسلامِ قائلًا: "السّلامُ عليكَ"، وأشهر من شهد فيهم الرّسولُ الأكرم في الحديثِ المشهور: "ما أظلّتِ الخضراءُ (وهي السّماءُ) ولا أقلّتِ الغبراءُ (وهي الأرضُ) من ذي لهجةٍ أصدقَ من أبي ذَرٍّ".
أمّا نسبته عليه السّلام فهي إلى قبيلة بني "غِفار" الّتي سكنتْ منطقةَ وادي الصّفراء الواقع بين مكّةَ والمدينة المنوّرة، والّتي انتقل سيّدنا اليعفوريّ منها إلى مكّةَ المكرّمة مستجيبًا لدعوة الإسلام، بارزًا بين أقرانِهِ بتواضعه المشهود وكثرةِ سؤالهِ وامتيازهِ في اكتساب العلمِ.
بعد وفاةِ الرّسول، ومع تولّي عثمان بن عفّان مقاليدَ الخلافة، نُفيَ أبو ذرّ إلى الشّام الّتي كان واليها آنذاك معاوية بن أبي سفيان، فاحتدّت بينهما الخصومةُ حول تفسير آيةٍ في القرآن، ليعودَ أدراجُه بعد ذلك بأمر الخليفةِ إلى المدينةِ المنوّرة ثمّ يُنفى إلى الرَّبذة الواقعة شرقيّ المدينة حيث توفّيَ فيها.
بعد نفيه بأمر الوالي من مدينة الشّامّ، تتناقلُ المرويّاتُ خبرَ إقامته المؤقّتة في بلدة "يعفور" غربيّ دمشق، ووصوله منها إلى منطقة الجولان الّتي استراح فيها، لتتحوّل مع تتالي العصورِ إلى مقامٍ يؤرّخ قصّة زيارتِه، ويعظّمُ حُسنَ سيرتِهِ، بعد أن عُيّنَ تاريخُ الخامس والعشرين من شهر آب من كلّ عامٍ موعدًا للزّيارة السّنويّة الرّسميّة، الّتي انطلقت للمرّةِ الأولى في نفس التّاريخ خلال عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وثمانيةٍ وستّين.