في بلدة كفرياسيف الجليليّة، ملتقى حوارِ الأديان السّماويّة، تحت سروَتَينِ باسقتينِ مخضرّتين، يحيطُ بهما مربّعٌ بديعٌ من القناطر الحجريّة المنحوتة، يقعُ مقام سيّدنا الخضر (ع)، ثاني أهمِّ مقامات أبناءِ الطّائفةِ الدّرزيّة في البلاد، وأشهر موقعٍ يحملُ اسمَ وذكرَ سيّدنا الخضرِ بين أكثر من سبعينَ موقعًا ومقامًا يُنسب إليه في مختلف القرى الدّرزيّةِ وغير الدّرزيّة في البلاد.
وتعودُ وفرةُ هذه المواقع المتنوّعة بين كفرياسيف وحيفا ودير الأسد وبقعاثا وقرى الكرملِ وغيرها إلى مكانة ومركزيّةِ النّبيّ الخضر عليه السّلام في النّصوص الدّينيّة السّماويّةِ المختلفة، حيثُ وردَ ذكرُهُ في العهد القديم تحت اسم "إلياهو هنابي"، وفي العهد الحديث تحت اسم "مار إلياس" أو "مار جرجس"، وفي التأليفِ الإسلاميّ والتّوحيديّ – تحت اسم "الخضر أو العبد الصّالح".
أمّا عن سبب تسميتهِ بالخضر (ع)، يُستدلُّ بالحديث الصّحيح نقلًا عن قولِ الرّسول الأكرم: "إنّما سمِّيَ الخِضرَ لأنّه كانَ قد جلسَ على فَروَةٍ بيضاءَ وهيَ الأرضُ اليابسةُ فإذا هي تهتزُّ من خلفهِ خَضراءَ" أي أنبتَتْ وخرجَ منها الزّرعُ وأينَع.
هذه المعجزةُ وغيرها من المعجزات المتناقلةِ عن سيّدنا الخضر عليه السّلام، جعلتْ من مقامهِ الواقعِ في كفرياسيف محجًّا لآلاف الزّوّار من جميع أنحاء البلاد، الّذين يأتونَهُ بقصدِ الزّيارة وإيفاء النّذور والدّعاءِ للتّفريجِ عن المرضى والمضطرّين، في حينَ حُدِّدتْ زيارتُه السّنويّة الرّسميّة في الخامسِ والعشرين من شهر كانون ثانٍ من كلّ عام، بمشاركةِ وفودٍ كثيرة من أبناءِ الطّائفةِ الدّرزيّة وشيوخِها ورؤساءِ الأديانِ وقادةِ المجتمع.
ولعلّ أكثر وأشهرَ ما يميّزُ بناءَ المقام الشّريف في كفرياسيف، هو قصّةُ تشييدِ وترميمِ الضّريحِ الواقع في الجهة الشّماليّة من غرفة المقام، بحجارةٍ تمّ قطعُها ونقلُها مباشرةً من مقام سيّدنا النّبيّ شعيب (ع) في حطّين، فورَ الانتهاء من ترميمه رسميًّا عامَ 1884.
قداسةٌ على قداسة، ونورٌ على نور.